اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) عند البالغين والأطفال

يُعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في العالم، ويؤثر على ملايين الأطفال والبالغين. يُعرف بـ"الاضطراب العصبي التطوري"، حيث يظهر عادةً في الطفولة، لكنه قد يستمر أو يظهر بشكل واضح في مرحلة البلوغ. يُصنف ADHD على أنه اضطراب يتسم بسلسلة من الأعراض التي تتعلق بعدم الانتباه، وفرط النشاط، والاندفاع، مما يعوق الأداء اليومي والعلاقات الاجتماعية.

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) عند البالغين والأطفال

على الرغم من أن الكثيرين يربطون ADHD بالأطفال، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن ثلثي الأشخاص المصابين يستمرون في المعاناة من الأعراض حتى مرحلة البلوغ، ويواجهون تحديات في العمل، والعلاقات، والحياة الشخصية. لذلك، من المهم فهم هذا الاضطراب بشكل شامل، ومعرفة طرق التشخيص والعلاج الحديثة المتاحة.

ما هو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)؟

**ADHD** هو اضطراب عصبي تطوري يتسم بوجود نمط مستمر من عدم الانتباه، وفرط النشاط، والاندفاع، يتداخل مع الأداء والوظائف اليومية للمصاب. ينتمي إلى فئة الاضطرابات التطورية، ويُعتقد أن عوامل وراثية وبيئية تلعب دورًا في ظهوره.

 الأنواع الرئيسية لاضطراب ADHD

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، يُصنف ADHD إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

1. **النوع المركب (Combined Presentation):** يتسم بوجود أعراض عدم الانتباه وفرط النشاط والاندفاع معًا.

2. **نوع عدم الانتباه (Predominantly Inattentive Presentation):** يظهر بشكل رئيسي في أعراض عدم الانتباه، مثل صعوبة التركيز، والتشتت، والنسيان.

3. **نوع الاندفاع والنشاط (Predominantly Hyperactive-Impulsive Presentation):** يركز على أعراض فرط النشاط والاندفاع دون وجود علامات واضحة لعدم الانتباه.

 أسباب اضطراب ADHD

لا تزال أسباب ADHD غير معروفة بشكل كامل، إلا أن الأبحاث تشير إلى تداخل عدة عوامل، أهمها:

1. العوامل الوراثية

تُعد الوراثة أحد العوامل الأساسية، حيث يُظهر التاريخ العائلي لاضطراب ADHD ارتفاعًا في احتمالية الإصابة. الدراسات تشير إلى أن هناك جينات معينة تؤثر على وظيفة النواقل العصبية، خاصة السيروتونين، الدوبامين، والنورإبينفرين، التي تلعب دورًا في تنظيم الانتباه والنشاط.

2. الاختلالات في الدماغ

أظهرت الدراسات باستخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أن هناك اختلافات في حجم بعض مناطق الدماغ مثل قشرة الفص الجبهي، اللوزة الدماغية، والجذع الدماغي، والتي تؤثر على تنظيم الانتباه، والتحكم في الاندفاع، وتنظيم الحركة.

 3. العوامل البيئية

تؤثر عوامل مثل التعرض للسموم (مثل الرصاص)، التدخين، تناول الكحول أثناء الحمل، أو الولادة المبكرة، على احتمالية الإصابة بـ ADHD.

4. العوامل الهرمونية

بعض الأبحاث تربط اضطراب ADHD باضطرابات في توازن الهرمونات، خاصة خلال فترات النمو السريع.

 الأعراض والتشخيص

أعراض ADHD عند الأطفال

- **عدم الانتباه:** صعوبة التركيز، النسيان، فقدان الأشياء، التشتت بسرعة.

- **فرط النشاط:** حركة مفرطة، عدم القدرة على الجلوس هادئًا، التململ، التحدث بكثرة.

- **الاندفاع:** التسرع في اتخاذ القرارات، مقاطعة الآخرين، صعوبة الانتظار.

 أعراض ADHD عند البالغين

- ضعف القدرة على تنظيم الوقت.

- مشاكل في إدارة المهام والمسؤوليات.

- اضطرابات النوم.

- اضطرابات المزاج والقلق.

- صعوبة في الحفاظ على العلاقات.

- التشتت والانشغال بأفكار متعددة.

- الميل للتأجيل أو التهرب من المهام.

 التشخيص

يعتمد التشخيص على تقييم شامل يشمل:

- **المقابلات السريرية:** مع المريض وأقاربه.

- **الاستبيانات والنماذج القياسية:** مثل مقياس التقييم الخاص باضطراب ADHD.

- **مراقبة السلوك:** لفترة زمنية محددة.

- **استبعاد الحالات الأخرى:** مثل اضطرابات القلق، الاكتئاب، أو اضطرابات النوم.

تُعد معايير DSM-5 مرجعًا أساسيًا في التشخيص، حيث تتطلب وجود أعراض مستمرة منذ أكثر من 6 أشهر، وتؤثر على الأداء الاجتماعي أو المهني.

التشخيص عند الأطفال مقابل البالغين

- **الأطفال:** يكون التشخيص غالبًا أسهل، حيث تظهر الأعراض بشكل واضح في المدرسة والمنزل، مع ملاحظات من المعلمين والأهل.

- **البالغون:** قد يكون التشخيص أكثر تعقيدًا، حيث تتداخل الأعراض مع متطلبات الحياة اليومية، وغالبًا ما يُغفل عن الأعراض في الطفولة أو يتم تفسيرها بشكل غير صحيح.

العلاجات الحديثة لاضطراب ADHD

تطورت طرق علاج ADHD بشكل كبير، وتتنوع بين العلاج الدوائي، النفسي، والتقنيات التكنولوجية، بالإضافة إلى استراتيجيات إدارة السلوك.

 1. العلاج الدوائي

يُعد العلاج الدوائي أحد الركائز الأساسية، ويشمل:

  • - **مضادات الاكتئاب المنشطة:** مثل ميثيلفينيديت (ريتالين، فوكالين) والأمفيتامينات (أمفيتامين، أديرال).
  • - **المنشطات غير المنشطة:** مثل أتوموكستين، الذي يُستخدم عند عدم استجابة المنشطات أو وجود آثار جانبية.
  • - **الأدوية المساعدة:** مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق في حالات المصاحبة.

هذه الأدوية تعمل على زيادة مستويات الدوبامين والنورإبينفرين، مما يعزز الانتباه ويقلل من فرط النشاط.

2. العلاج النفسي

- **العلاج السلوكي المعرفي (CBT):** يساعد على تعديل أنماط التفكير والسلوك، وتقوية مهارات التنظيم، والتحكم في الاندفاع.

- **التدريب على مهارات التنظيم وإدارة الوقت:** لتطوير استراتيجيات عملية.

- **العلاج الأسري:** لتعزيز الدعم والتفاهم داخل الأسرة.

 3. التدخلات التكنولوجية الحديثة

- **التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (rTMS):** تقنية غير جراحية لتحفيز مناطق معينة من الدماغ، أظهرت نتائج واعدة في حالات ADHD المقاومة للعلاجات التقليدية.

- **برامج تعديل السلوك عبر التطبيقات الذكية:** تستخدم لتحسين الانتباه، وإدارة النشاط، والتنظيم.

4. استراتيجيات إدارة السلوك

- **الروتين والجدولة:** تنظيم الوقت والمهام بشكل منتظم.

- **تقنيات التذكير والتنبيهات:** عبر الهواتف الذكية.

- **التمارين والأنشطة الحركية:** التي تساعد على تقليل فرط النشاط وتحسين التركيز.

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) عند البالغين والأطفال

 إدارة ADHD في الحياة اليومية

- **التمارين الرياضية المنتظمة:** تساعد على تحسين المزاج والتركيز.

- **النظام الغذائي الصحي:** الابتعاد عن السكر المفرط والكافيين، وتناول الأطعمة الغنية بالأوميغا 3، والفيتامينات.

- **تقنيات الاسترخاء:** مثل التنفس العميق، اليوغا، والتأمل.

- **الدعم الاجتماعي:** من خلال مجموعات الدعم أو الأصدقاء المقربين.

خاتمة

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) هو اضطراب معقد يتطلب فهمًا شاملًا وتقييمًا دقيقًا، خاصة مع تداخل الأعراض مع حالات أخرى. على الرغم من التحديات التي يفرضها، فإن العلاج المتكامل، بما في ذلك الأدوية، العلاج النفسي، والتقنيات الحديثة، يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في حياة المصابين.

الوعي والتشخيص المبكر يلعبان دورًا رئيسيًا في تحسين نوعية الحياة، وتمكين الأفراد من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. إذا كنت أو أحد أحبائك يعاني من أعراض مشابهة، فمن المهم استشارة مختص نفسي أو طبيب مختص للحصول على تقييم مناسب وخطة علاجية فعالة.

تعليقات